الرياضة .. بين الإستثمار والإستغلال !!

الخط

بناء المنشآت وتنظيم الأحداث الرياضية والإهتمام بالرياضيين والفرق المحلية والمنتخبات الوطنية تشهد اهتماماً متزايداً في الكثير من البلدان العربية والإفريقية التي أدركت أهمية الرياضة في تحسين الصورة وصناعة السمعة والتأثير على الرأي العام المحلي والدولي، وتحقيق المداخيل المادية، وكذلك تعزيز مشاعر الانتماء للوطن، وهو الأمر الذي يتطلب استثماراً في القدرات المادية والطبيعية والبشرية، بدلاً من الإكتفاء بالإستغلال السياسي لإنجازات الرياضيين الذي كانت تمارسه الكثير من الأنظمة، بشكل ظرفي ومناسباتي، دون الإستثمار فيها لتحقيق المزيد من الإنجازات في الرياضة وفي مجالات أخرى فكرية وثقافية واقتصادية واجتماعية، بعد أن صارت الرياضة اقتصاد وتجارة تدرّ أموالاً كثيرة وليست مجرد لهو وتسلية.


بلدان كثيرة صارت اليوم مشهورة برياضييها وأنديتها ومنتخباتها على غرار مشاهير ألعاب القوى في كينيا وإثيوبيا وجمايكا، وأخرى اشتهرت أكثر بنتائج منتخباتها على غرار المغرب مؤخراً عندما بلغ نصف نهائي كأس العالم 2022 وصار على كل لسان، بينما زادت شهرة قطر بمرافقها الرياضية والأحداث التي احتضنتها، وكان آخرها  بطولة كأس العالم التي ساهمت بقسط كبير في تحطيم تلك الصورة النمطية لبلد خليجي ثري مصدر للغاز، ومغلق على العالم، قبل أن يتحول إلى قبلة العالم على مدى سنوات، يتصدر صدر صفحات الصحف العالمية، ونشرات أخبار القنوات التلفزيونية التي كانت الى وقت قريب تعتقد أن تنظيم الأحداث الرياضية وصناعة الحدث فيه هو حكر على أمريكا والغرب.


الإستثمار القطري في المنشآت وتنظيم الأحداث الرياضية لم يقتصر على  بناء المرافق لاحتضان كأس العالم، بل سبقه احتضان بطولات العالم لألعاب القوى، والسباحة والملاكمة والجودو والجمباز، وقبل ذلك استقطاب الفنيين والرياضيين بالموازاة مع استثماراتهم الاقتصادية والتجارية، وحتى الرياضية في الخارج من خلال الاستحواذ على نادي باريس سان جيرمان، والسعي لأجل شراء نادي مانشستر يونايتد، وكذلك في مجال المحروقات في الداخل، ما يسمح لهم اليوم بالتوجه نحو المجال السياحي والفني والثقافي من خلال ترشيح الدوحة لتكون عاصمة الثقافة العربية سنة 2024، والاستعداد لمنافسة المدن الكبرى على احتضان الألعاب الأولمبية لسنة 2032، مروراً بأحداث رياضية قارية أخرى في جميع الرياضات.


بعد قطر أدركت السعودية أن الممارسة الرياضية ليست مجرد تسلية وترفيه، بل وسيلة لتحقيق التحول الاجتماعي والتنمية الاقتصادية، فبدأت في بناء وتطوير منشآتها الرياضية والاستثمار في أنديتها ومنتخباتها الكروية استعدادا لدخول معترك المنافسة على تنظيم كأس العالم 2030 أو 2034 كاقصى تقدير، بعد أن ظهرت النوايا من خلال استقطاب رونالدو  وبعده ميسي وبنزيمة وراموس، وغيرهم من نجوم الكرة العالمية لتسويق صورة المملكة الجديدة التي تشهد تحولات كبيرة في مجالات الرياضة والثقافة والسياحة والبنية التحتية من خلال إنفاق أموال كبيرة لتشييد مدن جديدة وملاعب وفنادق ومنتجعات سياحية عملاقة، مع تحسين الخدمات السياحية وملائمتها لمتطلبات العصر.


الجزائر من جهتها توجهت نحو الاستثمار في الرياضة بعد عقود من الاستغلال السياسي لانجازات الرياضيين والأندية والمنتخبات، فراحت تبني وترمم المنشآت والمرافق الرياضية التي سمحت لها باحتضان ألعاب البحر الأبيض المتوسط، وكأس إفريقيا للاعبين المحليين ، و كأس أفريقيا للناشئين نهاية أبريل المقبل، كما قدمت ملف ترشحها لاحتضان بطولة كأس أمم أفريقيا 2025، إدراكا منها بأن الاستثمار في الرياضة لا يقل شأناً عن باقي الاستثمارات في الطاقة والصناعة والفلاحة، حتى ولو كان مصحوباً بالاستغلال السياسي الذي يهدف الى التسلية والترفيه عن نفوس شباب ضاقت بهم الحياة رغم سعتها ..
 

للكاتب أيضاً