العشق الجزائري للمنتخب ظاهرة فريدة!

المنتخب الجزائري حسم المواجهة الودية أمام غينيا بهدف نظيف حمل توقيع إسلام سليماني

الخط

رغم إخفاقه في نهائيات كأس أمم إفريقيا الأخيرة، وإقصائه المُرّ من التأهل إلى نهائيات كأس العالم  2022، وهو في أفضل أحواله، إلا أن التعلُّق الكبير للجماهير الجزائرية بمنتخبها ولاعبيها، رغم الإخفاق، يبقى ظاهرة تستحق الوقوف عندها لدراستها وتحليلها، خاصة وأنه يفوق بكثير تعلُّق جماهير عربية وإفريقية أخرى، يصل بها الأمر إلى التعبير عن الغضب والمقاطعة عند الإخفاق، بينما حدث العكس مع الجماهير الجزائرية، التي ازدادت تعلُّقاً وتعصُّباً لمنتخبها ومدربه ولاعبيه، الذين يُستقبلون بحفاوة في المطار عند التحاقهم بالتربصات، ويحظون بتشجيعات كبيرة حتى في المباريات الودية، كما حدث في مواجهة غينيا الجمعة الماضي، في ملعب وهران، الذي لم يسع الأعداد الغفيرة التي حضرت وشجعت وتجاوبت مع الفوز بشكل مُلفت ومثير للتساؤلات، في وقت تستعدّ فرقاً عربية وإفريقية أخرى لخوض مونديال قطر.


التعامل مع عدم التأهل إلى كأس العالم كان فريداً من نوعه، حيث أبدت الجماهير دعمها للمدرب جمال بلماضي واللاعبين رغم إخفاقهم، لم يتعرّضوا لانتقادات لاذعة كما هو مألوف في الجزائر وغيرها، بل على العكس، حظيوا بدعم كبير، اعتبره البعض ظاهرة غريبة على جماهير كروية كانت دائماً توصف بالمتعصبة لا تقبل الخسارة، لكن هذه المرة بالغت في تعلقها بمنتخبٍ خيّب آمالها، وتأييدها للمدرب على غير العادة، رغم مسؤوليته التي لا يختلف حولها اثنان، حيث كانت الجماهير عينها سابقاً تبالغ في انتقاد المدربين السابقين والمطالبة برحيلهم عند كل خسارة، في وقت انساق الإعلاميون والمحللون خلف غالبية المناصرين بين متقبلين للإخفاق، على غير العادة أيضاً، ومؤيدين لاستمرار المدرب، خاصة وأن الرسميين ساندوا بدورهم بلماضي، وجددوا فيه الثقة عندما لاحظوا بأنه لم يفقد شعبيته وثقة غالبية المناصرين.


بمناسبة المباراة الودية التي احتضنها ملعب وهران الجمعة الماضية أمام غينيا، جددت الجماهير دعمها ومساندتها للـ"خضر"، بحضور قياسي بلغ فيه العنصر النسوي نسبة 30% من أصل الأربعين ألف مناصر، الذين اقتنوا التذاكر المطروحة للبيع في زمن قياسي، وغصّت بهم مدرجات الملعب أربع ساعات قبل بداية المباراة، وهو أمر لا يحدث في أي بلد في العالم يمرّ بظروف الإقصاء عينه من المونديال بشكل دراماتيكي وغير متوقع، كانت تُعلّق عليه الجماهير آمالاً كبيرة للتواجد في العرس العالمي بجيل كان بدوره يستحق التأهل، لكن رغم الإخفاق استمر نفس العشق والتعلُّق بالمنتخب، حُبّاً في الكرة التي تبقى مصدر سعادة الكثير من الجزائريين، وفي المنتخب الذي صنع أفراحه في السنوات الأخيرة بتتويجه بكأس إفريقيا للأمم في القاهرة وكأس العرب في قطر، في وقت لم يعُد هناك فيه ما يسعدهم ويُخفّف عنهم ويجعلهم يفتخرون بوطنهم.

 

اقرأ أيضاً: فينغر يتوقع بطل البريميرليغ للموسم الحالي


صحيح أن المنتخب الجزائري صار مصدر سعادة الجزائريين في السنوات الأخيرة، وتحوّل إلى رمز للوطن والوطنية يزيدهم اعتزازاً وافتخاراً عندما يفوز، ويلتفّون حوله عندما يخسر، لكن حتى ارتباط مشاعر الوطنية بالفوز أو الخسارة في مباراة كروية يبقى أمراً غير طبيعي، يحتاج إلى تهذيب قبل أن يتحول إلى هستيريا يصعب التحكم بها، بل يجب أن تعود مشاعر التذمر والغضب وعدم الرضا عندما تقتضي الضرورة، وتبقى مشاعر الفرحة ومظاهر البهجة في حدود المعقول، وهنا يأتي دور الأسرة والمدرسة والمسجد والشارع ومؤسسات الدولة والمجتمع المدني، لتقوم بدورها التربوي والتوعوي، وتعود كرة القدم إلى أصلها كمجرد لعبة، وليس معياراً يُقاس به مدى تعلق الجزائريين وحبّهم لوطنهم.


بين الافتخار بفوز منتخب الكرة، والرضا بخسارته، وحتى بتراجعه، اعتقاداً بأن ذلك يرمز لحب الوطن، يوجد خيط رفيع في الحالة الجزائرية غير المألوفة، لا علاقة لها بالروح الرياضية، بل بروح أخرى جزائرية بحتة، تسود في نفوس الجماهير، يصعب تفسيرها بشكل دقيق، لكن أحياناً يكون الغضب والتذمر ضروري لأنه متنفس للكثير من الشعوب..
 

للكاتب أيضاً