8/03/2022 - حفيظ دراجي
الخط
كل يوم يمر من الحرب بين روسيا وأوكرانيا إلا وتزداد قناعتنا بأن هذا العالم لا يقوم على القيم ولا المبادئ، ولا حتى الأخلاق، ولا يخضع لقوانين أو معايير وأحكام عادلة، بقدر ما تحكمه المصالح وكل أشكال التمييز والعنصرية، التي جعلت الحرب الروسية في أوكرانيا عدواناً يجب مقاومته بكل الوسائل والطرق، والحرب على الفلسطينيين دفاعاً عن النفس من طرف الإسرائيليين، الذين يجب دعمهم بكل الوسائل والطرق، حتى ولو اقتضى الأمر إقحام السياسة في الرياضة بشكل انتقائي واستعمالها كوسيلة ضغط سياسي من خلال معاقبة الرياضيين والفرق والمنتخبات الروسية وحرمانها من المشاركة في مختلف المحافل الرياضية، في وقت كان العالم عينه بهيئاته السياسية والرياضية يرفض الخلط بين السياسة والرياضة ويمنع حتى الرياضيين من رفع شعارات ولافتات داعمة للفلسطينيين الذين يتعرضون للعدوان والتمييز العنصري والاحتلال الإسرائيلي منذ أكثر من سبعين عاماً، بدعم من المجموعة الدولية عينها التي صدعت رؤوسنا بالمثل والقيم والمبادئ.
الغريب في الأمر أن القوى العظمى عينها، التي تدين اليوم الحرب الروسية على أوكرانيا وتصفها بكل النعوت الإجرامية، لم تحرك ساكناً عندما كانت روسيا ذاتها تقصف المدنيين في سوريا وتقتل وتُهجّر شعبها حتى أثناء كأس العالم 2018، التي احتضنتها روسيا، دون أن تدعو إلى مقاطعتها بحجة التزامها بمبدأ عدم إقحام السياسة في الرياضة، وهو المبدأ عينه الذي التزمت به على مدى عقود في التعامل مع العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، والتعامل مع كل رياضي يجرؤ على مقاطعة الرياضيين والفرق والمنتخبات الاسرائيلية، أو يُندّد ويحتج على تمادي الاحتلال في قمع وقتل الفلسطينيين وتهجيرهم كل يوم، أمام أنظار عالم تحكمه المصالح وليس المبادئ ولا القوانين، ويمارس كل أشكال التمييز العنصري في تعامله بشكل مختلف مع الوقائع والأحداث عينها.
فلسطين وسوريا والعراق واليمن وليبيا ولبنان ليست أوكرانيا، ومعاقبة الرياضيين الروس ونواديهم ومنتخباتهم ومنعهم من المشاركة في مختلف البطولات الدولية هو عملية تضامنية ضرورية للضغط على النظام الروسي، لا تشكل خرقاً لقاعدة عدم إقحام السياسة في الرياضة، لكن عندما يقاطع المصارع الجزائري فتحي نورين مواجهة مصارع إسرائيلي في الأولمبياد، لأنه يمثل بلداً محتلاً لأراضي غيره، فإن ذلك يشكل معاداة للسامية يجب معاقبة صاحبه بحرمانه من ممارسة هوايته لعشر سنوات كاملة، حفاظاً على قيم الرياضة التي ينص عليها الميثاق الأولمبي الذي يطبق على فئة دون أخرى، حسب طبيعة المعتدي والمعتدى عليه، وطبيعة عرقه وجنسه ولون بشرته، وحتى مكان تواجده، خاصة وأن الجرائم المرتكبة في حق العرب والمسلمين في كل مكان وزمان كانت أبشع، لكنها لم تلق التنديد والدعم والتضامن الدولي عينه من أمريكا وأوروبا الغربية.
الاتحادان الأوروبي والدولي لكرة القدم قررا معاقبة الأندية الروسية ومنتخباتها من المشاركة في المسابقات الأوروبية والدولية، بما في ذلك تصفيات الملحق الأوروبي المؤهل إلى المونديال نهاية الشهر الجاري، مما يشكل سابقة تعزز مشاعر الأسف والحسرة عند الروس، الذين يتعرضون لكل أشكال العقوبات في كل المجالات، ومشاعر الغضب لدى العرب والفلسطينيين الذين تحزنهم مظاهر العنصرية والتمييز في التعاطي مع الحرب على أوكرانيا والحرب على فلسطين والشعوب العربية، وهذا الخلط بين العدوان والدفاع عن النفس الذي يعتبر حق مشروع للأوكرانيين يجب دعمه بكل الوسائل، وممنوع على الفلسطينيين لأنه إرهاب يستدعي محاربته وخنقه، ويقتضي التعاطف مع الإسرائيليين ولوبياتهم المتغلغلة في أمريكا وكل الأنظمة الغربية ووسائل إعلامها التي تشكل سلاحاً لا يقل قوة عن السلاح التقليدي بممارستها الدعائية والتضليلية التي تزيد من الاحتقان وتبرر استغلال الرياضة كوسيلة ضغط على السياسيين.
الحرب هي حرب في كل مكان وزمان، تسقط فيها أرواحاً وتهدم فيها مباني، ويهجر إثرها ملايين الضحايا، وحرب روسيا على أوكرانيا هي عدوان لا يمكن قبوله مهما كانت الأسباب، لكن الولايات المتحدة وأوروبا الغربية وإسرائيل هي آخر من يندد بالعدوان والجرائم ضد الإنسانية، وآخر من يرفع شعارات حقوق الإنسان وقيم الحرية التي تنتهك كل يوم في فلسطين والعراق وسوريا واليمن وليبيا، وانتهكت حتى في البوسنة والهرسك وأفغانستان والصين والهند، أما الهيئات الدولية الرياضية التي تقحم نفسها بإيعاز فقد فقدت مصداقيتها بدورها وكشفت عن انحيازها الفاضح لأن القيم والمبادئ هي كل لا يتجزأ، ولا يمكن الالتزام بها في حرب والتغاضي عنها في حروب أخرى..