20/09/2022 - حفيظ دراجي
يرى كثيرون أن أي منتخب هو مرآة لمستوى الدوري والأندية واللاعبين الدوليين
الخط
ما حدث قبل خمسة أشهر لمنتخب إيطاليا، الذي أُقصي للمرة الثانية توالياً من المشاركة في المونديال، وتراجُع الإنتر واليوفي محلياً منذ الموسم الماضي، وأوروبياً منذ سنوات، وعودة الميلان بفريقٍ شابٍ ودون نجوم ولا أموال كثيرة، كلها معطيات غذّت نقاشاً وجدلاً كبيراً في إيطاليا حول الأسباب والواقع والآفاق، وما يجب فعله لتدارُك الوضع في ظل شحّ الموارد المالية وعدم قدرة الأندية على استقطاب النجوم بسبب الأوضاع المادية الصعبة، وتراجُع أسهم دوري لم يعد يستقطب المستثمرين ورؤوس الأموال، مثلما يحدث في إنكلترا مثلاً، مما جعل الجميع يُجمع على أن المال ثم المال ثم المال هو السبب الرئيسي، ومن دونه لا يمكنك أن تنافس في المستوى العالي، بينما يعتقد البعض الآخر أن نقص المواهب وعدم اعتماد الأندية الإيطالية على الشبان والصبر عليهم، هو أحد أهم أسباب التراجع الحاصل.
اليوفي، أحد رموز الكرة الأوروبية والعالمية، الذي سيطر على الكرة الإيطالية طيلة عقدٍ من الزمن بين 2010 و2020، يُعاني منذ انطلاقة الموسم الكروي الحالي، حيث يقبع في المركز الثامن بعشر نقاط بعد سبع جولات، خاصة بعد رحيل رونالدو، ودي ليخت وديبالا، وتعرضه لخسارتين متتاليتين في دور المجموعات بدوري أبطال أوروبا لهذا الموسم، أمام سان جرمان في باريس وضد بنفيكا على ميدانه، مما دفع إلى دقّ ناقوس الخطر وعودة النقاش والجدل في وسائل الإعلام الإيطالية حول الأسباب والتداعيات، وهل يتعلق الأمر بنهاية جيل ومرحلة في الفريق، أم هو سوء تسيير وتقدير، أم يعود الأمر إلى شحّ الموارد المالية وعجز الفريق عن استقطاب النجوم، في حين يعتقد البعض الآخر أن الظاهرة عامة في إيطاليا، عندما يربطها بتراجع نتائج الإنتر الذي تلقى أربع هزائم من أصل سبع جولات في الدوري، وخسارة على ميدانه في دوري الأبطال أمام البايرن.
معلومٌ أن أي منتخب هو مرآة لمستوى الدوري والأندية واللاعبين الدوليين، وفي المستوى العالي يُعتبر المال عصب الأندية، لذلك يسود الاعتقاد في إيطاليا بأن تراجع المنتخب هو امتداد لتراجع قوة الأندية، الذي يعود بدوره إلى نقص الموارد المالية في الأندية الكبيرة، التي تعاني أزمات حالت دون قدرتها على الاحتفاظ بلاعبيها، ولا قدرتها على منافسة الأندية الإنكليزية والإسبانية، وحتى الألمانية، في انتداب اللاعبين الكبار، رغم عودة الإثارة إلى الدوري في الموسمين الماضيين بعودة ميلان ونابولي، وحتى روما ولاتسيو، إلى الواجهة للمنافسة على لقب الدوري الذي فاز به ميلان الموسم الماضي، دون نجوم كبار، بأقل تكلفة مالية، ورواتب سنوية ضئيلة مقارنة برواتب لاعبي اليوفي وإنتر، مما يدحض نظرية شحّ الموارد المالية كسبب وحيد لتراجع الكرة الإيطالية.
الحقيقة لا يوجد سبب رئيسي يشكل قاعدة عامة تنطبق على الجميع، لأن الميلان ليس أغنى من اليوفي، وتشكيلته ليست بنفس الثراء الفني، وليس أقوى من الإنتر بنجومه، كما أن تشلسي والسيتي حققا نتائج طيبة لأنهما من الاثرياء، في حين لم يتمكن المان يونايتد من التأهل إلى دوري الأبطال لهذا الموسم، رغم كونه من أغنى الأندية في أوروبا، ويملك تشكيلة بخيارات لا تتوفر عليها فرق أخرى، مما يدفع إلى ضرورة توفّر عوامل كثيرة لتحقيق التميّز تستند على المال أولاً، ثم كفاءة الجهازين الإداري والفني، ومهارة اللاعبين، ومدى توفر المواهب والثقة التي تُمنح لها لتجديد النفس والحفاظ على هوية الأندية، التي لم تعد أكاديمياتها تُنجب في إيطاليا كما في فرنسا، وإنكلترا وحتى إسبانيا وألمانيا.
تعددت الأسباب والنتيجة واحدة، هي تراجع الكرة الإيطالية، مع انكماش الاقتصاد الإيطالي وتراجع مستوى الاستثمارات المحلية في الأندية الكبيرة، وضعف التسويق التجاري للدوري الإيطالي، وكذا تراجع عائدات الأندية من حقوق البث والإشهار بسبب إقصاء إيطاليا من المونديال مرتين متتاليتين، وإخفاق الأندية في دوري الأبطال، ما أدى إلى تدهور نتائج المنتخب والأندية الإيطالية وسط بيئة صعبة، تُنذر بالمزيد من التراجع الذي يزيد من تعميق الهوة والتذمر الجماهيري، ومزيد من الجدل في وسائل الإعلام التي تُجمع في النهاية على نقص المال ثم المال ثم المال، الذي كان حسبها سبباً في سيطرة اليوفي على الدوري طيلة عشر سنوات..