29/03/2022 - حفيظ دراجي
الخط
منذ قرعة الملحق الأوروبي المؤهل لكأس العالم 2022، كان عشاق الكرة يتأسفون على غياب ايطاليا أو البرتغال عن عرس قطر، لكن المتتبعين صاروا يتخوفون من غياب المنتخبين معاً، بعد الزلزال الذي ضرب إقليم صقلية في باليرمو، وتسبّب به منتخب مقدونيا الشمالية الذي أحدث المفاجأة الكبرى بتغييب إيطاليا، للمرة الثانية على التوالي، عن نهائيات كأس العالم، والثالثة في تاريخ الكرة الإيطالية، وقد يتسبّب في حرمان رونالدو من المشاركة في آخر مونديال وتحقيق حلمه بالتتويج باللقب الذي ينقص سجّله، رفقة جيل رائع تمكّن من الإطاحة بتركيا في نصف نهائي الملحق بالثلاثة، ليجد نفسه في مواجهة منتخب مغمور، كان منظماً دفاعياً بشكل ملفت أمام إيطاليا، وسيكون كذلك أمام برتغال رونالدو الليلة، على أمل تحقيق مفاجأة مدوية تسمح له بالمشاركة لأول مرة في نهائيات كأس العالم، بعدما شارك في أول بطولة لكأس أمم أوروبا السنة الماضية.
الغريب في الأمر أن سيناريو إقصاء بطل أوروبا من المشاركة في نهائيات كأس العالم تكرر للمرة الرابعة في التاريخ، بعد تشيكوسلوفاكيا بطلة 1976 التي أخفقت في بلوغ مونديال الأرجنتين سنة 1978، ثم الدانمارك بطل دورة 1992 التي فشلت في التأهل إلى مونديال الولايات المتحدة الأميركية سنة 1994، وبعد اليونان الذي غاب عن مونديال ألمانيا 2006 وهو حامل اللقب الأوروبي لسنة 2004، الأغرب من كل هذا أن هؤلاء كلهم غابوا عن نهائيات كأس العالم قبل وبعد تتويجهم ببطولة كأس أوروبا للأمم، على غرار ما حدث لإيطاليا هذه المرة بشكل دراماتيكي لم يحدث أمام منتخب عالمي كبير مثل البرتغال مثلاً، بل أمام مقدونيا، مما زاد من وقع الألم والأسف والحسرة في الأوساط الكروية الإيطالية، التي لم تعد تفهم هذا التناقض الكبير بين منتخب يفوز باللقب الأوروبي وآخر يغيب عن المونديال للمرة الثانية على التوالي.
المتتبعون لم يجدوا تبريراً واحداً لخروج إيطاليا أمام مقدونيا الشمالية، لكن الكل يُجمِع على أن إيطاليا غادرت قبل الملحق، عندما أضاعت التأهل المباشر بتضييع جورجينيو ركلة جزاء أمام سويسرا في التصفيات، كما أجمعوا على أن المنتخب الذي لا يقدر على الإطاحة بمقدونيا لا يستحق التأهل إلى المونديال، والبلد الذي لا تتجاوز نواديه ثمن نهائي دوري أبطال أوروبا، ولا يزال يلعب بكيليني في الدفاع، ولا يملك قلب هجوم حقيقي يسجل الأهداف ضد مقدونيا الشمالية، لا يمكنه أن يشارك في المونديال من أجل المشاركة فقط، وحان الوقت لكي تتعوّد مسابقة كأس العالم على أن تجري من دون إيطاليا، ويتعوّد عشاقها على الوضع الجديد الذي سيتحوّل إلى هاجس وأمر واقع، يحتاج إلى تحليل عميق وثورة كبيرة على مستوى الاتحاد الإيطالي وأنديته ومدارسه الكروية، لأن الذي يحدث أمر مريب لا يحدث لإنكلترا وإسبانيا وألمانيا وفرنسا..
الحديث عن خروج إيطاليا في وسائل الإعلام العالمية طغى على الإنجاز المقدوني التاريخي، لأن الأمر يتعلق ببطل العالم أربع مرات وبطل أوروبا بجيل متميز تعرض لنكسة ثانية في ظرف خمس سنوات، بعدما حرمه السويد في نفس الدور سنة 2017، ويتعلق بمنتخب يعشقه هواة الكرة العالمية، لكنه لم يتمكن من اختراق دفاع مقدونيا الشمالية، بل تعرّض لأول خسارة على أرضه في تاريخ تصفيات كأس العالم، وهو الذي لم يخسر سوى مرة واحدة على مدى 40 مباراة لعبها في عهد مانشيني، الذي تجنب الخسارة في 37 مباراة متتالية، لكنه عجز عن الفوز أمام مقدونيا الشمالية، بل خسر أمامها وكأنه كان يفكر في كيفية مواجهة البرتغال الذي كان الخروج أمامه أخف ضرراً، لأنه منتخب عالمي يضم في صفوفه كريستيانو رونالدو، أحد أعظم لاعبي كرة القدم العالمية.
عند إقصائها أمام السويد من المشاركة في كأس العالم 2018، قلنا بأن كأس العالم هي التي خسرت إيطاليا بنجومها ورصيدها وتاريخها، لكن عندما تخرج للمرة الثانية على التوالي وأمام مقدونيا، لا يمكن سوى أن نقول بأن إيطاليا لا تستحق التواجد في مونديال قطر، وبأن تتويجها ببطولة كأس أمم أوروبا كان ضربة حظ فقط، وبأن المدرب روبيرتو مانشيني راح ضحية عصابة من اللاعبين القدامى، في وقت كان بإمكانه الاعتماد على جيل جديد من اللاعبين المهاريين الذين تزخر بهم الأندية الإيطالية، بعيداً عن اليوفي وروما ولاتسيو والإنتر، مما سيكلفه منصبه مثلما جاء في عديد وسائل الاعلام الايطالية التي طالبت برحيله، خاصة بعد أن تحاملت عليه والدته وحملته مسؤولية الإخفاق بسبب خياراته غير الموفقة.
الصدمة كانت كبيرة وتداعياتها أكبر دون شك، لأن الأمر يتعلق بإيطاليا بطلة العالم أربع مرات، وحاملة اللقب الأوروبي، التي أخفقت للمرة الثانية على التوالي في التأهل إلى المونديال، وهو الأمر الذي لا يمكن تقبله بسهولة ويحتاج إلى ثورة فنية، مثلما صرح فابيو كابيلو بعد الإقصاء، عندما قال بأن إيطاليا تحتاج إلى انتهاج النموذج الألماني في التعامل مع الكرة وليس الإسباني الذي لا نملك إمكانيات تطبيقه، لأننا لا نملك مهارات لاعبي إسبانيا.
تشاو إيطاليا!