حان وقت التركيز على كرة القدم بدلاً من قطر!

يعتقد البعض أن إنفانتينو تأخّر كثيراً حتى يكتب أو ينطق

الخط

دعوة رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم، جياني إنفانتينو، في رسالته المنشورة الجمعة الماضية إلى "التركيز على كرة القدم"، والتوقف عن "توزيع الدروس الأخلاقية"، وتجنب "الانحراف بالحديث عن الأمور السياسية والعقائدية"، صنعت الحدث في وسائل الإعلام العالمية، حتى ولو جاءت متأخرة نسبياً في تقدير بعض الملاحظين، أمام كل حملات التشويه والتشويش التي تعرّضت لها قطر، خاصة في الآونة الأخيرة من طرف الساسة والإعلاميين، وحتى اللاعبين والمدربين والمحللين الذين زاد انزعاجهم كلما اقترب الموعد، في وقت كان بإمكانهم تثمين الاستعدادات واحترام الخصوصيات، والخوض في الشؤون الفنية لمونديال يجري لأول مرة في منتصف الموسم وليس في نهايته، في منطقة عربية تعشق الكرة، أراد القدر أن تحتضن آخر مونديال لرونالدو وميسي، يُحسم فيه لقب الأفضل في حالة تتويج أحدهما باللقب.


رداً على الحملة المسعورة التي تعرّضت لها قطر منذ سنوات، وتصاعدت في الفترة الأخيرة من كل الجهات وكل الأوساط الكروية، سواءً كانوا مدربين أو لاعبين، تحدث إنفانتينو في رسالته عن ضرورة "احترام جميع الآراء والمعتقدات"، وتجنُّب " إعطاء دروس في الأخلاق"، لأن العالم ثري ومتنوع ومختلف، يجب التعامل معه كما هو حسب تعبير رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم، الذي لم يذهب في رسالته أبعد من مجرد التذكير بالقيم والمبادئ التي نعرفها كلنا، دون التنديد بكل التصريحات العنصرية المتكررة، أو مساءلة أصحابها، لأنها لو صدرت عن لاعب أو مدرب عربي أو إفريقي، كان سيتعرض لعقوبة الإقصاء من طرف الهيئة الكروية العالمية، أو على الأقل من طرف الهيئات القارية والمحلية التي ينتمي إليها أصحابها.


بغض النظر عن محتوى رسالته، فإن البعض يعتقد أن إنفانتينو تأخّر كثيراً حتى ينطق أو يكتب، ليس دفاعاً عن قطر لأنها لا تحتاج ذلك، بل دفاعاً عن كرة القدم ومسابقة كأس العالم، ودفاعاً عن الروح الرياضية وأخلاقيات اللعبة لحمايتها من الانحرافات السياسية والأخلاقية، التي بلغت درجة لم يسبق لها مثيل في تاريخ كأس العالم التي نظمتها من قبل دول صغيرة وفقيرة وغير أمنة وغير مستقرة، لم تُوفّر ربع ما وفّرته قطر للعالم، لكنها لم تتعرّض لهذا الحجم من الهجمات والانتقادات، والاحتقار والاستصغار والتنمر، دون أدنى دراية بالواقع والتحوّلات التي حدثت في قطر، والمجهودات التي بذلتها لكي توفّر كل أسباب النجاح لبطولة لن تكون ككل البطولات السابقة من كل الجوانب، خاصة بعد برمجتها في فصل الشتاء.


تغيير موعد إجراء البطولة، كان يمكن أن يفتح في الأوساط الفنية نقاشاً حول المستوى الفني المرتقب للاعبين والمنتخبات، مقارنة بما كان عليه الأمر في السابق عندما كانت البطولة تُنظَّم في فصل الصيف، بعد انتهاء موسم صعب وشاق على اللاعبين الذين كانوا يشاركون في النهائيات وهم منهكون بدنياً، بينما يرتقب أن يكونوا في لياقة عالية في شهري نوفمبر وديسمبر، حتى ولو كانت مدة التحضير مع منتخباتهم قصيرة، ما يقتضي فتح نقاش في الأوساط الفنية حول الإيجابيات والسلبيات والتوقعات، بدلاً من التركيز على التفاهات والإشاعات والافتراءات حول حقوق العمال والإنسان والنساء والشواذ، التي تُنتهك كل يوم في كل مكان ومن زمان، من طرف دعاة المساواة والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، لكن لا أحد يجرؤ على الخوض فيها طيلة أيام السنة.


كان يمكن للساسة في أوروبا أن يهتموا بالحرب في أوكرانيا، وأزمة الطاقة والأمن الغذائي، والظلم المسلط على الشعوب العربية والإفريقية والإسلامية في كل مكان، عوض الكشف عن غلّهم وحقدهم وعنصريتهم تجاه كل ما هو عربي ومسلم، وكان بإمكان الفنيين أن يحدثونا عن خططهم للفوز بكأس العالم، ويركزون مثلاً على آخر مونديال للظاهرتين ميسي ورونالدو، ومن يفوز باللقب ويحسم الصراع كأفضل لاعب في العالم حالياً، ومن يُتوّج في أفضل كأس عالمية حسب توقعات الناس العاديين والمحترمين، وليس مرضى النفوس والقلوب من الحاقدين على قطر لمجرد أنه بلد عربي ومسلم، يجب أن يبقى صغيراً في نظرهم..
 

للكاتب أيضاً