15/03/2022 - حفيظ دراجي
الخط
ما فعله ريال مدريد بباري سان جيرمان في ثمن نهائي دوري أبطال أوروبا صنع الحدث في الأوساط الفنية والإعلامية العالمية، وحتى الجماهيرية التي أطلقت العنان لتحاليلها وتعاليقها التي أجمعت على قوة شخصية الريال بعراقته وتاريخه ومكوناته التي تؤكد مجدداً بأن الأمر يتعلق بنادٍ ذي شخصية ورصيد وثقافة وتقاليد كروية مع المنافسة الأوروبية، مقابل هشاشة الفريق الباريسي الذي يبقى مجرد فريق مشكل من نجوم كبار بإمكانهم الإطاحة بأي فريق، لكن من الصعب عليهم تجاوز أنانيتهم والتأقلم في ما بينهم للتتويج بدوري الأبطال الذي يشكل الغاية من انتدابهم، لأنهم لا يملكون روح المجموعة ولا مشاعر الانتماء للألوان رغم مهاراتهم العالية وقدرتهم على قلب موازين أي مباراة ما عدا في المواعيد الكبرى التي يتعرضون فيها للريمونتادا كل مرة أمام النوادي الكبيرة في ظاهرة ملفتة ومثيرة للتساؤلات.
في مباراة العودة لثمن نهائي دوري الأبطال أمام الريال كان بإمكان سان جيرمان إنهاء الشوط الأول بفوز عريض وضمان التأهل بسهولة لو استغل الفرص المتاحة له أمام فريق إسباني لم يدخل في المباراة كما ينبغي، قبل أن يعود في الشوط الثاني بروح عالية ويسجل ثلاثية من نجمه كريم بنزيما بقيادة الكرواتي لوكا مودريتش الذي كان قائداً فعلياً رغم تقدمه في السن، بل صار شاباً صغيراً، صال وجال فوق الميدان وغمره بلياقته وبراعته وإصراره الكبير المستمد من ثقافة الفوز في المواعيد الكبرى التي يتحلى بها الريال فاستحق الإشادة الكبيرة من المتتبعين وأكد الفارق الكبير بين النادي العريق برصيده، والفريق الكبير بنجومه فقط، والذي يمكنه تحقيق الانتصارات بعض المرات، لكنه يعجز عن صناعة التاريخ لمجرد توفره على المهارات.
في مدريد كان الفوز والتأهل إلى ربع النهائي عادياً وطبيعياً لأنه يتعلق بالريال رغم خسارته في لقاء الذهاب، لكن في فرنسا قامت الدنيا ولم تقعد في وسائل الإعلام التي اعتبرت الإقصاء بمثابة إخفاق كبير يعود بالأساس إلى كثرة النجوم وفشل المدرب الأرجنتيني في تسييرهم والتحكم فيهم وتوظيفهم وتحفيزهم، في حين ذهب بعض المحللين إلى تجاوز الحديث عن جزئيات وتفاصيل المباراة والأخطاء التي ارتكبها دوناروما مثلاً، وراحوا يوجهون أصابع الاتهام لنيمار وميسي ومبابي الذين لم يكونوا في مستوى الأموال التي يتقاضونها، ولا في مستوى الآمال المعلقة عليهم من عشاق الفريق في موسم أخفقوا فيه في مسابقات كأس الرابطة، وكأس فرنسا ودوري الأبطال، واكتفوا باستعادة لقب الدوري الذي صار تحصيل حاصل للفريق في ظل تراجع مستويات الفرق الأخرى على غرار ليون وليل ومارسيليا وموناكو.
العواقب ستكون وخيمة على الفريق الباريسي الذي سيضطر مجدداً للاستغناء عن مدربه ماوريسيو بوتشيتينو في نهاية الموسم، وإيجاد مدرب جديد يكلف الكثير، وقد يضطر لإخلاء سبيل مبابي رغم أنه الأحسن وسط النجوم، وربما الاستغناء عن لاعبين آخرين كبار صاروا يشكلون وجع رأس لأي مدرب بسبب صعوبة تسيير غرف الملابس وكرسي الاحتياط المدجج بالنجوم، لكن المشكل الأكبر صار عقدة الفوز بدوري الأبطال التي تلازم الفريق الباريسي منذ سنوات دون أن يجد السبيل إلى التتويج بها، رغم إدراكه بأن "غالاكتيكوس" الريال لبداية الألفية لم يفز بأي لقب رغم تواجد الرباعي الشهير زيدان، وفيغو، ورونالدو وبيكهام، لكنه حصد كل شيء عندما اعتمد على النجم الأوحد البرتغالي رونالدو رفقة مجموعة من اللاعبين المتميزين الذين أحرزوا أربع بطولات دوري الأبطال في ظرف خمسة مواسم بين 2014 و 2018.
كرة القدم بالمفهوم التقليدي البسيط هي مهارات وفنيات ومنظومة لعب يصنعها مع الوقت المدرب الملائم للاعبين المناسبين، لكنها روح عالية وشعور بالانتماء وحب الفريق قبل أن تكون مجموعة فرديات مهما كانت قيمتها ومستواها، لأن كثرة النجوم في الفريق الواحد تقتل النجوم، وتؤثر على معنويات المجموعة كلها خاصة عندما يتعلق الأمر بفريق يلعب كل أسبوع ضد ديجون وأنجي وتروا وكليرمون في مستويات ضعيفة، ويريد الإطاحة بالريال والسيتي وليفربول والبايرن الذين يلعبون مباريات كبيرة وقوية كل أسبوع ويملكون ثقافة المواعيد الكروية الكبرى التي تتطلب شروط وقواعد لا يمكن إغفالها.
سان جيرمان يملك منتخباً يحلم به أي فريق، لكنه يفتقد لروح النادي، ومتطلبات التتويج بالمسابقات الكبرى التي يملكها الريال، والبايرن، والسيتي وليفربول، بمدربيهم الكبار فعلاً، والذين يتحكمون في غرف الملابس وكرسي الاحتياط، وما يحدث فوق أرضية الميدان، لأن مباريات الكرة تحسم فيها وليس في وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي..