في شهر الاستقلال يتألق جيل الاستقلال

أحرزت الملاكمة الجزائرية إيمان خليف ميدالية ذهبية بعدما تغلّبت على منافستها الإيطالية أسوتنا كانفورا بنتيجة 3-0

الخط

في مثل هذا اليوم، 5 يوليو، قبل ستين عاماً، نالت الجزائر استقلالها بعد 130 عاماً من الاحتلال الفرنسي الذي أجرم وهدم، وقتل مليون ونصف المليون شهيداً ضحّوا بأرواحهم لأجل الوطن والأجيال المتعاقبة التي نجحت وأخفقت، وأصلحت وأفسدت، لكنها حققت إنجازات متعددة في كل القطاعات، بما في ذلك في مجال الرياضة، بمناسبة ألعاب البحر الأبيض المتوسط، التي تحتضنها الجزائر للمرة الثانية في تاريخها، بعد دورة 1975، بشكل مميز منذ حفل الافتتاح المبهر، إلى النتائج المميزة للرياضيين، إلى الإقبال الجماهيري الكبير الذي كان أحد أسباب نجاح البطولة، وأضفى عليها نكهة خاصة، رغم الانتقادات التي تعرّض لها التلفزيون العمومي بسبب تقصيره في تغطية الأيام الأولى للمنافسات، وتسويق صورة الجزائر المستقلة الجميلة بطبيعتها، وطيبة شعبها وكرمه مع ضيوفه.

 

حفل الافتتاح كان تحفة فنية ورياضية صنعها جيل الاستقلال، الذي تمكّن من ربط الماضي بالحاضر، ونقل لوحات وصور تجسد تضحيات الشعب الجزائري عبر التاريخ من خلال رموزه الوطنية، وفقرات ثقافية وحضارية تبرز الثراء والتنوّع الذي تزخر به الجزائر، من خلالها انتمائها إلى حضارات وثقافات حوض البحر الأبيض المتوسط وشمال إفريقيا والمنطقة العربية، وامتلاكها ثروات بشرية وموارد طبيعية لا مثيل لها، من بينها ساحل يمتد على مسافة 1200 كيلومتراً من الشرق إلى الغرب، حيث تقع مدينة وهران بساحلها وسهولها وجبالها وتضاريسها ومناخها المتوسطي، الذي جعل منها قبلة للسياحة الداخلية، وحتى الخارجية، وسمح لها بالفوز بتنظيم ألعاب البحر الأبيض المتوسط 2022 بجدارة واستحقاق.


طيلة أيام الألعاب، كان الحضور الجماهيري الكبير قياسياً ومثالياً، ولم يتوان عن تشجيع الجهد والتألق والتميز، وكان له دور كبير في تحقيق نتائج طيبة للرياضيين الجزائريين، ودور كبير في إنجاح العرس بحضوره القياسي في مختلف القاعات والملاعب، والساحات العمومية والمسارح والمراكز الثقافية، فكان مثالياً في روحه الرياضية والوطنية التي أظهرها في تشجيعاته للجزائريين والعرب عموماً، وساهم في تجاوز تلك الصورة النمطية التي لازمته طويلاً باعتباره جمهوراً متعصباً وعنيفاً، لكنه تقبّل الخسارة في كرة القدم أمام فرنسا والمغرب، وصفّق للمتوجين على حساب الرياضيين الجزائريين في كل الرياضات، ورافق المشاركين في الألعاب بحضوره مختلف الفعاليات الفنية والثقافية التي رافقت الحدث طيلة أيام المنافسات.


الجمهور الجزائري تُوّج بالذهب في البطولة، والرياضيون الجزائريون تُوّجوا بميداليات من مختلف المعادن، بلغت رقماً قياسياً فاق حصيلة كل المشاركات السابقة، خاصة في الرياضات الفردية مع الملاكمة والجودو والكاراتيه وألعاب القوى، التي كشفت بالمناسبة عن مواهب شابة كثيرة واعدة، رغم ظروف التحضير الصعبة بسبب تداعيات تفشي وباء كورونا الذي أثّر على الاستعدادات، لكنه لم يمنع الرياضيين من رفع تحديات كبيرة بفضل روحهم العالية وإصرارهم الكبير على تمثيل الجزائر كما ينبغي، فكان نصيب الملاكمة 13 ميدالية، من بينها خمس ذهبيات، وخمسة في الكاراتيه، وميداليات مختلفة المعادن في رياضات أخرى جعلت الجزائر الأولى عربياً وإفريقياً في هذه الألعاب قبل يومين من نهاية العرس، والرابعة في الترتيب العام بعد تركيا وإيطاليا وفرنسا.


بقدر ما كان حفل الافتتاح مميزاً، وكانت نتائج الرياضات الفردية مميزة أشاد بها الجميع، فقد تعرّض التلفزيون العمومي لانتقادات كثيرة في تغطيته للمنافسات الرياضية، والنشاطات الثقافية والفنية المرافقة، رغم امتلاكه ثمانية قنوات متخصصة، كان يمكن تخصيص قناة واحدة أو اثنتين حصرياً لتغطية الألعاب وإبراز صورة الجزائر المستقلة، وتكذيب كل الإشاعات وحملات التسويد والتشويه الممنهجة التي تعرّضت لها الجزائر في الداخل والخارج، بسبب مواقفها السياسية الثابتة من قضايا الأمة وحركات التحرر في العالم، على مدى ستين عاماً من الاستقلال، تبقى قصيرة في حياة الأمم والشعوب، لكنها كانت ثرية بالإنجازات المحفزة للأجيال الصاعدة، التي تُعبّر في كل مناسبة عن تعلّقها بوطنها وحبّها لبلد ليس بالضرورة في مستوى التطلعات، لكنه يملك من المقومات ما يجعله قادراً على تجاوز الصعاب ورفع  كل التحديات.

 

للكاتب أيضاً