285 يوماً قبل الموعد..

الخط

 

285 يوماً تفصلنا عن موعد كأس العالم 2022، الذي كان مجرد حلم تحوّل إلى حقيقة، مع مرور 11 عاماً منذ الإعلان عن فوز قطر بتنظيم كأس العالم، في الثاني من شهر ديسمبر 2010، في مدينة زيوريخ السويسرية، في مشهد كان مذهلاً وصادماً للعالم الذي لم يكن يتوقع، فراح يُشكك آنذاك في قدرة البلد الصغير على صناعة الحدث الكبير، قبل أن تتحول الصدمة إلى أمر واقع مع مرور السنين، بثبات وصبر كبيرين وجهد متواصل، رغم كل العقبات والصعوبات والعراقيل الخارجية والأزمة الاقتصادية العالمية، التي لم تمنع القطريين من تأسيس إرث مستدام تبقى آثاره، ويساهم في تحقيق التنمية في قطر والمنطقة لسنوات أخرى بعد المونديال، خاصة وأن قطر راهنت على البُعد الإنساني والقيم الثقافية والحضارية للمنطقة، التي تحوّلت إلى قبلة العالم، بعد أن انتزعت حقها في أن تتحول إلى لاعب أساسي في منظومة كانت تسير من دوننا وكنا نتفرج عليها من بعيد. 


بعد مرور نصف المدة منذ الإعلان عن فوز قطر بتنظيم الحدث كان استاد خليفة الملعب الأول جاهزاً، تلاه بعد ذلك تجهيز ستة ملاعب تباعاً مع نهاية العقد الأول لبداية الألفية، من خلال افتتاح ملعب الجنوب، كأول ملعب يتم تشييده بالكامل، ثم ملعب المدينة التعليمية، المعروف بجوهرة الصحراء، وملعب أحمد بن علي، ثم ملعب البيت، الذي سيحتضن مباراة الافتتاح، والذي يُجسّد العراقة والضيافة التي اشتهر بها العرب عبر التاريخ، ليأتي الدور بعد ذلك على التحفة المعمارية لملعب الثمامة، من تصميم قطر قطري خالص، وملعب 974، رأس أبوعبود، القابل للتفكيك بالكامل، وهو الأول من هذا النوع في تاريخ البطولة، ليكون مسك الختام بملعب لوسيل، أكبر ملاعب المونديال، الذي يتسع لـ80 ألف متفرج، ويحتضن المباراة النهائية في الثامن عشر ديسمبر، الذي يُصادف ذكرى العيد الوطني القطري، والذي يُراد له أن يكون عيداً عالمياً.


بالموازاة مع تجهيز الملاعب، انتهت قطر من تجهيز البنية التحتية ومرافق النقل والمواصلات، من خلال تشييد شبكة طرقات متطورة تربط بين مختلف المدن، وإنجاز مترو الدوحة، الذي يربط بين مختلف الملاعب والمرافق الرياضية والثقافية والسكنية، ويسمح للمناصر الواحد بمعايشة المباريات من مدرجات الملاعب في نفس اليوم، وكذا انتهت من تهيئة مرافق الإقامة في الفنادق والشقق والمقرات المخصصة لأكثر من مليون مشجع سيقصدون الدوحة خلال المونديال لحضور المباريات ومعايشة حدث لن يكون مجرد مباريات كرة، بل سيُشكل إرثاً إنسانياً وتجربة فريدة من نوعها تساهم في تغيير الصورة النمطية للمجتمع العربي الاستهلاكي، إلى مجتمع مبدع يساهم في صناعة التاريخ، ويدفع العالم إلى الاقتداء بتجربة حضارية فريدة من نوعها.


احتضان قطر نسختين من مونديال الأندية خلال السنتين الماضيتين في 2019 و2020، وتنظيم كأس العرب "فيفا" 2021، بامتياز، منح شهادة نجاح مسبق لقطر في سبيل تنظيم مونديال لن يكون الأفضل بالضرورة، لكنه سيكون الأكثر تميزاً في تاريخ كؤوس العالم، وكشف للعالم استعداد قطر المُبكر قبل تسعة أشهر عن الموعد، لتتبدّد كل الشكوك وتتحطّم كل العراقيل ومحاولات تعطيل عجلة التاريخ، الذي صنعته قطر على مدى عشر سنوات من الإنجازات، التي فاقت ما حققته دول أخرى في زمن أطول وبمقومات أكبر، وتفوق دون شك ما تحققه البلدان المنظمة لنفس الأحداث في المستقبل، بعدما رفعت سقف التنظيم عالياً وأبهرت العالم أجمع بقدرات تفوق بكثير حجم البلد، الذي كان يوصف بالصغير حجماً، قبل أن يتحوّل إلى كبير فعلاً بإنجازاته وطموحاته التي لا حدود لها.


كل شيء بدأ بسرعة قبل 11 عاماً، ويُشرف على نهايته بسرعة بعد 285 يوماً من الآن، خاصة إثر إطلاق المرحلة الأخيرة، منذ أيام، مع عملية بيع التذاكر بالموازاة مع اقتراب نهاية مرحلة التصفيات المؤهلة إلى المونديال، نهاية مارس المقبل، ثم عملية القرعة الخاصة بالمجموعات، لتبدأ رحلة المنتخبات مع اختيار أماكن تجمعاتها وتدريباتها، وتبدأ الجماهير في حجز تذاكرها ومقرات إقاماتها لمعايشة أحد أكبر الأحداث الرياضية لها في الألفية على أرض عربية لم يكن يتوقعها أكبر المتفائلين لأنها كانت حلماً، بل وهماً، قبل أن تتحول إلى واقع يقترب، يُحسب بالأيام وليس بالسنوات.
 

للكاتب أيضاً