عندما يلعب المنتخب السعودي في بلده !!

الخط

مباراة بطولية أخرى خاضها الأخضر السعودي في بلده وأمام جمهوره ضد بولندا رغم الخسارة بثنائية، أكدّ فيها أن فوزه أمام الأرجنتين في مباراته الأولى لم يكن صدفة، حيث كرر السيناريو واستحوذ على الكرة وضغط وخلق الفرص، ولعب بالجرأة و والاصرار والروح العالية ذاتها، مدّعماً بآلاف العشاق السعوديين والعرب الذين كانوا سنداً كبيراً، منحوا البطولة نكهة عربية سواء في مدرجات الملاعب أو خارجها، وأعطوا الانطباع بأن المنتخب السعودي يلعب مبارياته في بلده، وأكّدوا بأن كأس العالم 2022، عربية التنظيم، وعربية الحضور، وعربية التألق الفني خصوصاً بعد الفوز الرائع للمنتخب المغربي أمام بلجيكا في مواجهته الثانية، وتعادله في الأولى أمام وصيف بطل العالم كرواتيا.


ما فعله المنتخب السعودي في مباراته الأولى أمام الأرجنتين أداءً ونتيجة كان استثنائياً وتاريخياً، شكل أولى مفاجآت البطولة، وأجملها بالنسبة للكرة السعودية والعربية، أمام أحد المنتخبات المرشّحة للفوز باللقب بقيادة ليونيل ميسي، وتكرر السيناريو ذاته في المباراة الثانية أمام بولندا، بالروح والمستوىذاتهما  قبل أن يخسر بثنائية أمام واقعية البولنديين وخبرة نجومهم الذين صنعوا الفارق في التركيز العالي والتنظيم الدفاعي المحكّم، والفعالية الهجومية التي استثمرت في أخطاء الدفاع السعودي، الذي نال منه الإرهاق بعد الجهد الكبير في المباراتين، على رغم شعور لاعبيه بأنهم يلعبون على أرضهم وأمام جماهيرهم في ظروف مناخية مشابهة لبلدهم، وحفاوة كبيرة خصهم بها القطريون والجماهير العربية كلها المتواجدة في قطر، والتي خرجت راضية على المردود والجهد على رغم الخسارة، وجددت مساندتها ودعمها لمنتخبها قبل المواجهة الثالثة.  


الحضور الجماهيري في مواجهتي السعودية للأرجنتين وبولندا كان علامة فارقة، صنع الحدث في مدرّجات ملعبي لوسيل والمدينة التعليمية، وشوارع الدوحة ومناطق المشجعين التي غصت بالآلاف من المشجعين السعوديين الذين لم يحالفهم الحظ في الحصول على تذاكر حضور المباريات، لكنهم عاشوا الحدث وكأنهم في مدن الرياض وجدة والمدينة وأبها ونجران والدمام، حيث قدّر عددهم بأكثر من 150 ألف مشجع تزايد في المباراة الثاني، ويُنتظر أن يفوق عددهم الـ 200 ألف بمناسبة اللقاء الثالث ضد المكسيك غداً الأربعاء في ملعب لوسيل مجدداً الذي يتسع لأكثر من 80 ألف متفرّج، تتزين بهم مدرّجاته، ليشكلوا سنداً ودعماً كبيرين للاعبين، مثلما كان عليه الحال أمام الأرجنتين وبولندا.


السعودية تحوّلت مع مرور الأيام إلى ملح المونديال بفضل منتخبها وجماهيرها الذين حفزوا غيرهم، وشجعوا المنتخبات العربية بحضورهم الطاغي في مدرّجات الملاعب التي احتضنت مباريات قطر، تونس، والمغرب. ودفعوا بالأرجنتين إلى إخراج النفس الثاني وكل ما لديهم للفوز على المكسيك واستعادة حظوظهم في التأهّل إلى الدور الثاني، وإنقاذ المونديال من خروج ميسي المبكر، عندما انتفض وسجل هدفاً، ثم مرّر كرة الهدف الثاني الذي سمح للأرجنتين بالفوز في انتظار الجولة الثالثة الحاسمة لمنتخبات السعودية والمغرب وتونس، وجماهيرهم التي تصنع الحدث في مونديال العرب على كل المستويات، وتقدّم صورة حضارية راقية عن الكرة العربية، وجماهيرها، وعن المهارة القطرية في تنظيم كأس العالم في شكل استثنائي وتاريخي.


نجاح مونديال العرب لن يُقاس فقط بروعة حفلي الإفتتاح والختام، والتنظيم الاستثنائي للمباريات والفعاليات، ولا بمردود المنتخبات العربية ونتائجها، ولا حتى بتألّق ميسي، رونالدو، نيمار ومبابي، بل أيضاً بالحضور الجماهيري العربي والأجواء التي يصنعها في المدرّجات وكل مكان في قطر، والصور الحضارية الجميلة التي يقدّمها عن شعوب متحررة من العقد كلها، تعشق الكرة، تفرح بالفوز، وتتقبّل الخسارة بروح رياضية عالية، بعد أن انتصرت لقطر في الظروف الصعبة التي كانت تتعرّض فيها لحملات تشويه لم يسبق لها مثيل.  
 

للكاتب أيضاً